ما هو القانون و تاريخ تطور فكرة القانون في الشرائع المختلفة الجزء الثاني.


 2- عهد القواعد الدينية (1)

اقدم الشعوب حضارة مثل مصر و بابل و الهند و الشام و الصين قد وصلوا الى مرحلة التقاليد الدينية و قواعد لدياناتهم منذ حوالى عشرة آلاف سنة قبل الميلاد تقريبا ووصل اليها بعض الشعوب فيما بعد و تجاوزوها فى مراحل متتالية فمثلا الصين و الهند تجاوزوها فى مرحلة قريبة من القرن التاسع عشر تقريبا و اليهود تجاوزوها فى مرحلة قبل حوالى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد و هكذا و سوف نقلى الضوء هنا على تطور المجتمع من النواحى الاجتماعية و الاقتصادية و الدينية و نقف على مصادر القانون و ننظر فى النظم القانونية التى ترتبت تباعا فى هذا العهد أو العصر و هو عصر التقاليد الدينية .

* التطور الاقتصادى للمجتمع .

    فى العصر الحجرى الحديث حدث انقلاب فى تاريخ البشرية و ذلك بعد اكتشاف الانسان للزراعة و ذلك فى الشرق منذ حوالة عشرة آلاف سنة و حوالى خمسة آلاف سنة فى الغرب و مع الزراعة كان اكتشاف طريقة لتربية الحيوانات و كان لهذه الاكتشافات الاثر فى تغيير حياة الجماعة الانسانية .
    أصبحت الزراعة و تربية الماشية هى المورد الاساسى للغذاء و تراجع دور الالتقاط و الصيد و اصبحت هناك مجتمعات تعتمد على الزراعة فى المقام الاول و الرعى فى المقام الثانى و تسمى مجتمعات زراعية و كذلك كان هناك مجتمعات تعتمد على الرعى فى المقام الاول و الزراعة فى المقام الثانى و تسمى مجتمعات رعوية و هذان النظامان ظلو حتى وقت قريب .بل أن مثل هذه المجتمعات موجودة حتى اليوم بجوار الحياة الصناعية الحديثة الحالية .
و بالطبع كان لهذا الاثر فى ظهور بعض الصناعات مثل البناء  التى ساهمت فى وجود القرى و ذلك للاستقرار بجوار الاراضى التى تزرع و كذلك  بعض ادوات الزراعة و صنع ادوات الحرب مثل السيوف و الرماح و صناعات مختلفة مثل النجارة و صناعة المنسوجات و الفخار مما اوجب على الانسان وقتها الى تمهيد الطرق و مد الجسور لنقل المنتجات الزراعية و الصناعية مما كان النواة الاولى لظهور المدينة و سير النشاط التجارى حتى و لو كان فى بداية الامر من خلال التبادل و بذلك كانت البذرة الاولى لقيام الحضارة.

* ظهور الديانة و تطورها .

       كانت الديانة قد تطورت فى هذا العصر عن العصر السابق و هو استخدام القوة حيث أن الانسان بدأ يدرك ما هو محيط به من ظواهر طبيعية فبعد أن كان يعتقد انه يمكنه تطويع هذه الظواهر من خلال عبادتها ادرك انه عاجز عن الوقوف فى وجه هذه الظواهر و اعتقد أن هناك خالق أو اكثر لهذا العالم و قادر على كل شئ و تخلى عن فكرة السحر و تلك الطقوس التى كان يعتقد انه من خلالها يستطيع التحكم فى الظواهر الطبيعية و بدأ فى التماس رضا الآلهة و التبرك بها و محاولة ارضاءها بكل الوسائل و منها اقامه تماثيل لها و تقديم القرابين ليتقرب منها أو ليتجنب غضبها لاقتناعه بأن مصيره بيدها و انها هى من تتحكم فى الظواهر الطبيعية من سيول أو امطار أو رياح أو اى ظاهرة طبيعية بل انه قد عبد بعضها مثل الشمس لاعتقاده انها إله قادرة .
     بل انه فى احيان كثيرة جعل بعض الافكار آلهة مثل الجمال و العدالة و الحكمة و خلافه و جسدها فى صور مادية مثل الاغريق فوضعو إله الجمال فى صورة امرأة جميلة أو الرومان من وضع العدالة فى صورة إمرأة معصوبة العينين و هكذا .
 و فى احيان اخرى عبدوا الاسلاف على اعتقاد ان الروح تغادر الجسد لكنها تكون على مقربة من الارض تهيم على مقربة من المكان الذى كان يعيش فيه هذا الانسان قبل موته و لذلك تستطيع أن تصيب الانسان بالشر أو بالخير طبقا لخروج الانسان عن موروث هؤلاء الاسلاف أو اتباعه و كان الاسلاف فى الاعتقاد انهم حلقة الوصل بين البشر و الإله و لذلك كان للاسلاف تماثيل  يقدم لها القرابين و يتم التعبد لهم ليقربوا المتعبد من الله زولفا كما كانوا يعتقدون .
     و كذلك فى معظم الحضارات القديمة قد تم تأليه الملوك و الابطال و ذلك حال حياتهم و بعد مماتهم ايضا و اقيمت لهم معابد خالدة و كان هناك مجموعة من الناس متخصصة فى اداء الشعائر و تقوس العبادة و هم الكهنة و ازداد الاهتمام بعبادة الالهة و اقيمت المعابد و تخصص لهم الامول و بالطبع كان للكهنة مكانة مميزة حيث كانو يمارسون عملهم فى ظل الملوك باعتبارهم آلهة أو ابناء الألهة او ممثل للاله و كان يرأس الملك الاحتفالات الدينية التى كان يقدم فيها الاعطيات و القرابين و حتى الاضاحى التى كان من صورها الاضحية البشرية فى بعض المجتمعات و من صورها عيد عروس النيل فى مصر الفرعونية التماسا لفيض النيل .
     و بعد التطور الاقتصادى الهائل الذى تحقق فى هذا العصر ظهرت ديانات كبرى تبشر بالاخلاق السامية و بغض النظر عن الديانات السماوية الثلاث كان هناك ديانة التوحيد فى عهد اخناتون فى مصر و ديانة مزدك فى بابل و البوذية و البرهمية فى الهند و كانفشيوس فى الصين و ديانة زيوس لدى الاغريق و جوبيتر لدى الرومان . 
     و كانت المعابد هى مراكز الاشعاع الحضارى و العلم و المعرفة و كان العلم حصرا على الرهبان و على بعض الناس فى المجتمع فكانت القوانين تنشأ من المعابد و كانت فى احيان كثيرة جزء من الديانة و لذلك كان رجال الدين على درجة كبيرة من الاهمية فى المجتمع ليس فقط لاقامة الشعائر الدينية و انما مهمين فى كل شئ لكل شئ بالمجتمع فهم من يعلم الناس القراءة و الكتابة و منهم الاطباء و يساعدون المحتاجين مما يقدم للمعابد من أموال و منهم مستشارين الملك و كان لهم سلطان عظيم كان فى كثير من الاحيان يعلوا سلطان الملك ذاته و كان للدين الاثر الهام فى تطوير النظم السياسية و القانونية فكانت بعض الحروب تنشأ لاسباب دينية .

* التطور الاجتماعى. 

بدأت تختفى تدريجيا بعض العادات من الجماعة الانسانية مثل التضحية بالنفس البشرية و حل محلها تقديم قرابين من الحيوانات و الاموال و تلاشت بعض العادات الاخرى المشابهة و كان ذلك نتيجة توفير القوت و استقرار الحياة الاقتصادية و نتيجة الحاجة الى ايدى عاملة كثيرة ظهر نظام تعدد الزوجات و كذلك ليكون هناك عدد كبير من الابناء و البنات  و زاد عدد السكان و كان هناك اغارات مستمرة بين القبائل المتجاورة نتيجة التنافس على الاموال و ظهر نظام الاسر و بالتالى الرق و كان من اسباب زعامة الرجل هو قدرتة البدنية على العمل فى الرعى و الزراعة و الصناعة و هذه القدرة التى تفوق قدرة المرأة التى تراجع دورها أو مركزها فى القيادة كما كان من قبل .
     و بسبب الاستقرار الدائم فى مناطق الجماعة بسبب الزراعة ظهر اهمية القبيلة كنظام اجتماعى و سياسى و كان هناك روابط الجوار التى اقتربت من روابط الدم فى الاهمية و نظرا للحروب المستمرة بين الجماعات و ما يترتب عليها من اخضاع قبيلة كامة أو جزء منها لحكم قبيلة اخرى أو التحالف بين القبائل اختلطت الدماء ببعضها حتى تكونت الدولة و حلت روابط الجوار فى الناحية أو القرية محل الروابط القبلية العصبية بالتدريج .
      و قد حدثت ظاهرة اخرى نتيجة تطور المجتمع و هى انقسام المجتمع الى طوائف و طبقات تتمتع كلا منها بمركز اجتماعى أو قانونى معين مختلف عن غيرها فكان هناك الاحرار و الرق و انقسم الاحرار الى اغنياء و فقراء أو اصحاب نسب شريف أو من العوام و بالطبع رجال الدين الذىن كان لهم مكانة متميزة عن الجميع و كان القانون هو الضامن لاستقرار المجتمع عن طريق وضع قواعد للمحافظة على الاوضاع الاجتماعية و الطبقية و تحديد الحقوق و الواجبات على حسب الطائفة أو الطبقة التى ينتمى اليها الشخص المخاطب بالقانون .
و نستكمل هذا الموضع في جزء لاحق و لمتابعة الجزء السابق اضغط هنا .
الجزء الثاني من الموضوع اضغط هنا

تعليقات

تابعنا عبر فيس بوك

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخص كتاب فن المرافعة / تعرف على ادوات تساعدك في اعداد مرافعة رائعة

الذكاء الاصطناعي AI والاحتيال على الانترنت وبوسائل الاتصالات

الأمن القومي المصري / المخدارات خطر يهدده حالاً ومستقبلاً