ما هو القانون و تاريخ فكرة تطور القانون في الشرائع المختلفة الجزء الرابع

 

ثالثا: النظم القانونية في عهد القواعد الدينية

1- نظام الاسرة:

    بعد انتشار الزراعة و المدنية شرعت  الاسرة في التمحور حول زعامة الرجل و تراجع بل و اختفي ما يسمى بالاسرة الامية حيث ان الرجال لما لهم من قوة بدنية جعلتهم هم من يستطيعون استعمال الادوات الزراعية كالمحاريث  وايضا قيام الرجال بالشعائر الدينية و لما كان هناك وفرة فى الغذاء انتهت فكرة وأد الاناث و فكرة المشاعة الجنسية و اصبح هناك وعى لدور الرجل فى انجاب الاطفال الامر الذى ادى الى حرص الرجال على تنقل اموالة وواجبات الشعائر الدينية الى اولاد من صلبه و بالطبع تراجع مركز المرأة فى المجتمع و سادت فكرة الاسرة الابوية و اصبح الرجل هو صاحب السلطان على المرأة سواء كان اب او اخ او زوج ففى بعض الجماعات كانت فى حكم المال المملوك فمن حق الرجل رهنها أو اعارتها أو طلاقها أو الابقاء عليها و الزواج من اخرى و ظلت سلطة الرجل مستمرة حتى بعد مرحلة المدنية بزمن طويل .

    و ترتب على ذلك نسبة المرأة الى عشيرة زوجها فإلتزمت بالانتقال معه للعيش فى موطنه و كذلك اتبعت عادات عشيرته و بالتالى نسبة الاولاد الى ابيهم و انحصار الارث فى النسب من جهة الاب و هذا لا يعنى تجاهل صلة الدم بين الاولاد و أهل امهم فهى صلة حقيقية لا يمكن تجاهلها .

   و بالنسبة للزواج على وجهة الخصوص قد تلاشت الشيوعية الجنسية وكان الزواج بالتراضى هو ما يسود الجماعة الانسانية وظهر تعدد الزوجات بغرض الانجاب و ذلك للطلب على وفرة الايدى العاملة بالزراعة أو الرعى فالاولاد عنصر من عناصر الثروة و قد ظهر ارتفاع المهر للحد من تعدد الزوجات و كان هناك دائما زوجة متميزة فى المركز على باقى الزوجات .

   و بالنسبة للارث فقد كان الوضع الغالب هو توريث الذكور دون الاناث على اساس أن الاناث سوف تتزوج و تنتقل الى موطن رجل اخر و التضامن العائلى يقضى بعدم خروج اموال الاسرة الى اجنبى و فى حالة عدم وجود ذكور تؤول التركة الى العصبات كالاخوة و الاعمام و كان فى بعض النظم يسمح بتوريث الاناث فى حالة عدم وجود ذكر وارث .

2- الملكية 

    فى عصر الزراعة و بعد استقرار الانسان فى اراضى محددة ظهرت فكرة الملكية بشكل قريب من الوضع الحالى و تعددت صور الملكية فظهرت الملكية الفردية و هذه كانت خاصة ببعض المنقلات الشخصية مثل ادوات الصيد او الزراعة او الطهى فهى ذات طباع شخصى و كذلك فكرة الملكية العامة و الملكية الخاصة و كانت القبيلة هى التى تستأثر بالارض التى تعد ذات طابع خاص فى ملكيتها و كان شيخ القبيلة هو من يقوم بتوزيعها اما فكرة الملكية العامة فكانت الارض التى لا تستخدم من قبل القبيلة حتى يحوزها احدا ما و يعمرها و تصبح فى ملكيته الخاصة و بالنسبة لملكية القبيلة كان شيخ القبيلة يعتبر مالك لحق الرقبة و يوزع الارض على الاسر حسب الاحتياج اما لاسر أو الافراد يملكون حق انتفاع هذه الاراضى و بالنسبة للصورة الاخيرة فهى ملكية الاسرة فظهرت هذه الصورة بظهور الاسرة الابوية و حلولها محل القبيلة و ذلك بعد الاستقرار فى الارض و فى هذا النظام كانت ملكية الارض لرب الاسرة و يعمل فيها افراد الاسرة و يجنون الدخل لصالح رب الاسرة فضلا عن كونه حر فى التصرف فى هذه الارض كيفما يشأ ففى نظام القبيلة كان محظور على شيخ القبيلة أن يبيع الارض او يتصرف فيها خارج القبيلة اما فى ملكية الاسرة ففى اغلب الاحيان كان رب الاسرة حر التصرف كيفما يشاء وقتما يشاء لمن يشاء و كان من صور تطور رب الاسره هنا انه كان يملك كل شئ حتى ما يدخله  اعضاء الاسرة من دخل و كانت سلطته مستمدة من الديانه فهو من كان يترأس الشعائر الدينية و كذلك حرمة الاسلاف و هكذا حتى انه يمكن ان نتصور ان له قدسية معينه فى نظر الجميع.

* ملكية الاسرة و القبيلة فى الشرائع القديمة 

فى الشريعة اليهودية كانت الارض كلها للإله و كانت توزع بطريقه معينه و هى أن يكون ملكية اربع اخماس الارض فى يد رجال الدين دون أن يكون لهم حق التصرف فيها و الباقى يوزع على القبائل و التى بدورها توزعها على الاسر و من حق كل اسرة التصرف فيما امتلكته من ارض و فى نهاية كل خمسين سنة تعود الارض الى حائزيها الاصليون و كان من حق اقرب افراد الاسرة استرداد الارض التى تم التصرف فيها الى اجنبى مع تعويض هذا الاجنبى عما دفعة من ثمن و بعض القبائل الافريقيه تعطى هذا الحق حتى الان .

و فى قانون حامورابى ايضا يحق لاقرب افراد الاسرة استرداد الحصة التى تم التصرف فيها لاجنبى.

اما فى مصر الفرعونية كانت الارض كلها ملك للفرعون بصفته إله و للافراد حق انتفاع على الارض و مع مرور الزمن ظهرت ملكية الاسرة و الاموال الموقوفه للمعابد و التى كانت تسمى حقول الالهة .

3- نظام الحكم

  الوحدة السياسية هى القبيلة :كما سبق و ذكرنا أن القبيلة اضحت الوحدة السياسة فى المجتمع منذ اواخر عصر القوة و انها حلت محل الجماعة الصغيرة و ذلك نتيجة الاستقرار فى الارض بعد اكتشاف الزراعة و تطور الديانة حيث اصبح شيوخ القبائل اصحاب قدسية فهم وسطاء بين الافراد و الالهة مما ادى الي نتيجة لهذه الفكرة هي زيادة سلطة شيوخ القبيلة .

ظهور الدولة:ترتب على ظهور الزراعة الاستقرار و عدم التنقل و بدأت المجتمعات و القبائل تندمج مع بعضها البعض فى ارض معينه حيث تولى فيها شخص أو اكثر سلطة الامر و النهى فأكتملت اركان الدولة من اقليم و شعب و سلطة امر و نهى و بالتالى قلت سلطة شيوخ القبائل و تعاظم دور السلطة الابوية حيث قسمت الدول الى مقاطعات و قرى و بظهور الدولة اسحوذ الملوك على سلطات معينة لشيوخ القبائل مثل ترأس الفاعليات الدينية و كذلك قيادة الحرب و هناك عدة نظريات للطريقة التى نشأت بها الدولة و نعرضهم بإيجاز كالاتى:

1- نظرية القوة:-

تؤدى الحروب بين القبائل الى هزيمة احداها و سيطرة القبيلة المنتصرة على ارض القبيلة المهزومة مما يفيد اتساع رقعة الارض التى تحكمها القبيلة و تمييز افراد القبيلة المنتصرة على افراد القبيلة المنهزمة و بتوالى الحروب و اندماج عدة من القبائل و الجماعات تتكون الدولة و هذا الامر شائع فى المجتمعات التى يغلب على شعبها طابع الرعى و كانت الرابطة التى تربط بين ابناء هذه الدولة هى سلطة الخضوع للملك المنتصر و ليست رابطة القرابة و الدم كما كان من قبل و من ثم قيل أن القوة هى الاساس لقيام هذه الدولة و كان الدين يقوم بدور مساعد فى توطيد سلطة الدولة فالانتصار فى الحروب يعد بمثابة حكم اصدرته الالهة لصالح المنتصر و الاقامة الدائمة فى ظل سلطة مركزية تؤدى الى اندماج القابئل مع بعضها بالتدريج و سيادة لاحدى اللغات و احدى الديانات بل و عبادة الملك المنتصر احيانا كثيرة و كانت الدولة التى تقام بهذا الشكل تسمى بأسم الشعب المنتصر و ليس بأسم الاقليم التى تنشأ علي ارضه و كان يقتصر التمتع بالحقوق الساسية على اهل الشعب المنتصر فقط دون باقى مكونات الدولة من اعراق و شعوب اخرى مكونه للدولة و كمثال على هذا الشكل فى دول تكون , الدولة الجرمانية فى اوروبا و الامبراطورية الرومانية و امبراطورية اليابان و الاشوريين قديما و غير ذلك الكثير و كثيرا من دول اوروبا سميت باسم احدى القابل مثل فرانسا و التى سميت باسم قبيلة الفرنجة و انجلترا و التى تعنى ارض الانجليز .

2- نظرية وحدة الدين:

يرى فريق من الباحثين أن اندماج الجماعات و المكونة للدولة قد تم من خلال الدين و ان المصالح الاقتصادية الناتجة عن التجاور ادت الى اجتماع رؤساء القبائل للتشاور فيما بينهم وتنظيم مصالحهم بدلا من الالتجاء الى القوة و هذه الاجتماعات تؤدى الى ابراز شخصية احدهم و خضوع الباقين له و حيث أن كل شيخ قبيلة يدين بديانة معينه فخضوعهم له و اعترافهم له بنوع من السلطة يعنى اعترافهم بديانته و انها تملك نوع من السمو بالنسبة للديانات الاخرى , و من ناحية اخري تتلاشى بالتدريج سلطة رؤساء القبائل و يتحولون الى مستشارين للزعيم الجديد و لما كان الزعيم الجديد يستمد قوته و سلطته من من الديانة فانه يتولى السلطة بأسم الدين و يخلع عليه الشعب هالة من القدسية و يظهر بمظهر الممثل للاله أو فى بعض الاحيان يري انه الاله ذاته او ابن الاله و فى هذا النظام يجمع فيه الملك جميع السلطات فى يده فهو ملك و كاهن و إله فى وقت واحد .و الدولة التى تنشأ بهذا الشكل تقوم على اساس دينى فالدين هو السبب فى التجمع و اساس الرابطة التى تربط بين الافراد فى الدولة و القوة هنا تقوم بدور مساعد لانها تعمل على توطيد دور سلطة الدولة و هى القوة التى تواجه النزعات الانفصالية و بالطبع وحدة الديانة تؤدى الى وحدة اللغة حيث شعائر الديانة تؤدي بلغة هذه الديانة و فى الغالب تسمى الدولة هنا باسم الالة الذي فى الغالب يكون الملك و الذي يستمد سلطاته من اجداده الالهة و لا يشترك افراد الشعب فى الحكم ولا يسأل الملك عن اعمالة و تصرفاته اما الشعب و يدين له الشعب بالولاء و الطاعة و فى هذا النوع من الدولة تتجسد الدولة فى شخص الملك .و مثال على تلك الدول مثلا الدولة المصرية القديمة و الدولة اليهودية و دول بابل و آشور قبل توسعها و تحولها الى امبراطوريات و خير مثال دولة اشور و التى سميت باسم الإله اشور و بابل التى تتكون من مقطعين باب و إيل اى باب الإله إيل و قد ظل الملوك فى اوروبا حتى قيام الثورة الفرنسية يعتقدون انهم اصحاب السيادة فى دولهم و انهم يتولون السلطة بتفويض إلهى. 

3- نظرية تطور الاسرة:

تفترض هذه النظرية ان ظهور الدولة كانت نتيجة تطور فى نظام الاسرة الابوية بعد انتشار الزراعة , فازدياد النسل ادى الى تعدد الاسر التى تنتمى الى اصل واحد و منها تتكون العشائر التى انحدرت من اصل واحد و كونت العشائر القبيلة و باستقرارها فى ارض واحدة و يعيش افرادها فى عدة اكواخ متقاربة على ارض واحدة و تصبح الارض اقيلم و الاقليم الى دولة بعد تقارب عدة قبائل و تحالفها و تكوين مجلس من رؤساء القبائل لاختيار احدهم ليصبح رئيس لتلك الدولة و مع الوقت تندمج القبائل اكثر و تتلاشي بالتدريج سلطات رؤساء القبائل لصالح الملك و فى هذا المثل تكون رابطة القرابة هى وحدة المصالح و المصير و يشارك رؤساء القابئل هنا الملك السلطة من خلال مجلس شيوخ و يكون جوار السلطة هنا ثانوي لحفظ النظام و مثال على تلك الدول اثينا و اسبارطه و روما و فى هذا النظام يسهم كل افراد لشعب بشئ فى السلطة و هم الذين يختارون حاكمهم و يحاسبوه و الدول التى نشأت بمثل هذه الطريقة كانت مهد الحرية و الديمقراطية والمساواة بين المواطنين.

 نظام العقوبات

اثر نظام التصالح الذي ظهر في العهد السابق في هذا العهد و بدأ يتلاشي مفهوم الانتقام الفردي بل قل الي حدود ضيقة جدا و ظهر مفهوم الجريمة المتعلقة بالمجتمع التي تختلف عن الجريمة التي تقع علي الاشخاص فالجرائم التي تقع علي المجتمع مثل التعدي علي سلطة الحاكم او اهانته او الخيانة التي تقع من فرد علي المجمتع ...الخ و اعتبرت العقوبة في هذه الحالات تطهير للذنب الذي ارتكبه الجاني و من ناحية اخري ترتب علي زيادة عدد السكان و اقترابهم من بعض في السكن و الاقامة زيادة عدد الجرائم .

و في الجرائم المتعلقة بالمجتمع تتولي الدولة توقيع الجزاء و في الغالب تكون العقوبة الاعدام ولا يمكن التصالح فيها و لا يملك العفو عن العقوبة غير الملك أو الحاكم أما الجرائم التي تعتبر متعلقة بالافراد فقد زاد عددها و ظهرت جرائم جديدة بسبب الزيادة في عدد الافراد و التجاور فيما بينهم مثل السرقة و التعدي علي حدود الملكية و التشهير و الحريق و الخطف و بيع المخطوف في اسواق الرقيق و في هذه الافعال يجوز التصالح و الابراء .

و من اهم التطورات التي حدثت في هذا العهد أن معالم العقوبة قد اتضحت و استقرت في وعي الجماعة بحيث لا يجوز استبدال العقوبة بالانتقام الفردي و بجانب العقوبات البدنية مثل القتل أو قطع الاطراف من الجاني ظهرت عقوبات مالية مثل دفع عدد معين من رؤوس الماشية للمجني عليه طبقا لتعريفة معينة اي ما يعرف بالدية أو التعويض او تسليم مصدر الضرر سواء كان انسان حر او رقيق اةو حيوان او جماد و ليس هناك ما يميز بين الفعل العمد و الفعل الخطأ فجميع الافعال تكتسب نفس الصفة و تختلف باختلاف مركز الجاني او المجني عليه فالعقوبة التي توقع ضد رجل حر تختلف عن التي توقع علي رقيق و التعويض الذي يدفع علي قتل رجل حر اكثر من الذي يدفع لقاء قتل امرأة أو طفل أو رقيق و كذلك يميز بين اختلاف الطبقات في المجتمع في مقدار العقوبة .

لقراءة بداية السلسلة و عهد القوة اضغط هنا

لقراءة الجزء الاول من عهد القواعد الدينية و هو الجزء الثاني في السلسلة اضغط هنا

لقراءة الجزء السابق من الموضوع اضغط هنا



تعليقات

تابعنا عبر فيس بوك

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخص كتاب فن المرافعة / تعرف على ادوات تساعدك في اعداد مرافعة رائعة

الذكاء الاصطناعي AI والاحتيال على الانترنت وبوسائل الاتصالات

الأمن القومي المصري / المخدارات خطر يهدده حالاً ومستقبلاً